منتديات كويك لووك
موضوع بعنوان :الجودة الشاملة وادارتها في المؤسسات التعليمية
الكاتب :Galal Hasanin


ادارة الـــجودة الشــــاملة في المؤســسات الــتربوية التــــعليمية

مقدمة
إن التحديات العالمية المعاصرة تحتم على المنظمات الاقتصادية انتهاج الأسلوب العلمي الواعي في مواجهة هذه التحديات واستثمار الطاقات الإنسانية الفاعلة في ترصين الأداء التشغيلي والبيعي بمرونة أكثر كفاءة وفاعلية، ومن أكثر الجوانب الإدارية الهادفة إدارة الجودة الشاملة ، التي أصبحت الآن وبفضل الكم الهائل في المعلومات وتقنيات الاتصال سمة مميزة لمعطيات الفكر الإنساني الحديث وهذا ما يمكن ملاحظته في المؤسسات الصناعية والهيئات والمنظمات بشكل عام .
أما في المجال التربوي فإن القائمين عليه يسعون من خلال تطبيق إدارة الجودة الشاملة إلى إحداث تطوير نوعي لدورة العمل في المدارس بما يتلاءم مع والمستجدات التربوية والتعليمية والإدارية ، ويواكب التطورات الساعية لتحقيق التميز في كافة العمليات التي تقوم بها المؤسسة التربوية .

مفهوم الجودة :
أولا ـ المفهوم من منظور إسلامي :
قبل أن نستعرض بعض تعاريف الجودة الشاملة ، لا بد أن ندرك أن ديننا الإسلامي الحنيف أشار إليها أشارات واضحة من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ، فقال عز من قائل ( الذي خلق الموت والحياة أيكم أحسن عملا ) 2 تبارك .
وقال تعالى في سورة يوسف عليه السلام عندما اصطفاه طلب الملك منه أن يوليه خزائن مصر لأنه أدرى وأقدر على إجادة عمله ، وعبر عن ذلك بصفتي الحفظ والعلم كأساس لنجاح عمله وسبب جودته وإتقانه ( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) 55 يوسف . كما أورد سبحانه وتعالى في آية أخرى أهمية التحلي بصفتي القوة والأمانة فقال تعالى ( قالت إحداهما يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) . ويلاحظ أن مفهوم هاتين الصفتين يدور حول محاسن العمل وإتقانه . وقال عليه الصلاة وأتم التسليم " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " والإتقان يعنى الجودة في أكمل صورها .
غير أنه لم يكن ثمة تعريف محدد لمفهوم إدارة الجودة الشاملة ، بل كثرت تعريفاتها وتعددت مفاهيمها وذلك بحسب النظر إليها من جوانب متعددة ، شانها في ذلك شأن جميع مفاهيم العلوم الإنسانية ، ومن كل التعاريف المختلفة التي أطلقتها المنظمات المتخصصة في
إدارة الجودة الشاملة والمهتمون بها ، أرى أن دلالات الكلمات المكونة لهذا المفهوم تعني الآتي : ـ
الإدارة : هي القدرة على التأثير في الآخرين لبلوغ الأهداف المرغوبة .
الجودة : تعني الوفاء بمتطلبات المستفيد وتجاوزها .
الشاملة : تعني البحث عن الجودة في كل جانب من جوانب العمل ، ابتداء من التعرف على احتياجات المستفيد وانتهاء بتقويم رضا المستفيد من الخدمات أو المنتجات المقدمة له .
كما أننا نستطيع القول بأن إدارة الجود الشاملة تعني في مجملها " أنها نظام يتضمن مجموعة من الفلسفات الفكرية المتكاملة والأدوات الإحصائية والعمليات الإدارية المستخدمة لتحقيق الأهداف ، ورفع مستوى رضا العميل والموظف على حد سواء ، وذلك من خلال التحسين المستمر للمؤسسة وبمشاركة فعَّالة من الجميع من أجل منفعة الشركة والتطوير الذاتي لموظفيها، وبالتالي تحسين نوعية الحياة في المجتمع .
ويشير جابلونسكي إلى أن مفهوم إدارة الجودة الشاملة كغيره من المفاهيم الإدارية التي تتباين بشأنه المفاهيم والأفكار وفقاً لزاوية النظر من قبل هذا الباحث أو ذاك إلا أن هذا التباين الشكلي في المفاهيم يكاد يكون متماثلاً في المضامين الهادفة إذ إنه يتمحور حول الهدف الذي تسعى لتحقيقه المنظمة والذي يتمثل بالمستهلك من خلال تفاعل كافة الأطراف الفاعلة فيها .
وتعتبر كل مؤسسة حالة فريدة بحيث لا يمكن اعتبار مؤسستين أنهما متشابهتان حتى ولو كانتا تمارسان نفس النشاط ـ كما هو الحال في المؤسسات التربوية ـ سواء كانت هذه المؤسسة عامة أو خاصة ، صناعية أو خدماتية ، تعمل على أساس الربح أم لا .
وَتمثِّل كل شركة ثقافة مشتركة والتي تعتبر حالة فريدة ومنفصلة ومختلفة عن الآخرين .
وما يجب عمله هو بناء ثقافة مؤسسية تكون فيها الجودة بشكل عام هي القيمة الموجهة لنشاطات الأفراد . ويتحقق هذا عندما تتخذ الإدارة الخطوات الضرورية لتحسين أداء المديرين والإداريين والموظفين داخل المؤسسة .

الثقافة التنظيمية المدرسية :
وإذا كان ثمة اختلاف في شكل أداء المنظمات وطريقتها تبعاً لثقافة كل منظمة ، فيمكن القول إن المنظمات التربوية لها ثقافتها الخاصة ، والتي تتكون من القيم والمبادئ والتقاليد والتوقعات التي تصف التفاعل الإنساني مع النظام ، والتي تبدو بوضوح في المستوى الإجرائي المتمثل بثقافة المدرسة .
إن الثقافة التنظيمية المدرسية تخضع أساساً لعاملين أساسيين وهما الثقافة العامة للمجتمع ، والفلسفة التربوية التي ينبع عنها الأهداف التربوية المقررة من قبل السلطات العليا والتي يشتق منها الثقافة التنظيمية.
وقد أكد باول هكمان أن الثقافة المدرسية تكمن في المعتقدات التي يحملها المعلمون والطلاب والمديرون .
وعرفها العالمان ديل وبيترسون بأنها نماذج عميقة من القيم والمعتقدات والتقاليد التي تشكلت خلال تاريخ المدرسة .
وقد عرفها ستولب وسميث بأنها النماذج المنقولة تاريخياً والتي تتضمن المبادئ والقيم والمعتقدات والاحتفالات والشعائر والعادات والتقاليد والأساطير المفهومة بدرجات مختلفة من قبل أعضاء المجتمع المدرسي .

حقيقة الجودة الشاملة :
إن تحويل فلسفة الجودة الشاملة إلى حقيقة في مؤسسة ما ، يجب ألا تبقى هذه الفلسفة مجرد نظرية دون تطبيق عملي ، ولذلك بمجرد استيعاب مفهوم الجودة الشاملة ، يجب أن يصبح جزءا وحلقة في عملية الإدارة التنفيذية من الهرم إلى القمة ، وهذا ما يعرف بإدارة الجودة الشاملة ، وهي عملية مكونة من مراحل محددة بشكل جيد ، وتحتاج إلي متسع من الزمن لتحقيقها ، حتى تصبح مألوفة للمؤسسة التي تتبناها ، ويتم تنفيذها باستمرار .

الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية التعليمية :
أما الجودة الشاملة في الإدارة التربوية هي جملة الجهود المبذولة من قبل العاملين في المجال التربوي لرفع مستوى المنتج التربوي وهو )الطالب ) بما يتناسب مع متطلبات المجتمع، وبما تستلزمه هذه الجهود من تطبيق مجموعة من المعايير والمواصفات التعليمية والتربوية اللازمة لرفع مستوى المنتج التربوي من خلال تظافر جهود كل العاملين في مجال التربية.
ومن هنا يقصد بإدارة الجود الشاملة في المجال التربوي التعليمي : أداء العمل بأسلوب صحيح متقن وفق مجموعة من المعايير التربوية الضرورية لرفع مستوى جودة المنتج التعليمي بأقل جهد وكلفة محققا الأهداف التربوية التعليمية ، وأهداف المجتمع وسد حاجة سوق العمل من الكوادر المؤهلة علميا .
ويعرف ( رودز ) الجودة الشاملة في التربية بأنها عملية إدارية ترتكز على مجموعة من القيم وتستمد طاقة حركتها من المعلومات التي توظف مواهب العاملين وتستثمر قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي لضمان تحقيق التحسن المستمر للمؤسسة.
ويعرفها أحمد درياس بأنها " أسلوب تطوير شامل ومستمر في الأداء يشمل كافة مجالات العمل التعليمي، فهي عملية إدارية تحقق أهداف كل من سوق العمل والطلاب ، أي أنها تشمل جميع وظائف ونشاطات المؤسسة التعليمية ليس فقط في إنتاج الخدمة ولكن في توصيلها ، الأمر الذي ينطوي حتما على تحقيق رضا الطلاب وزيادة ثقتهم ،وتحسين مركز المؤسسة التعليمية محليا وعالميا .
ويعرفها رودس : أنها عملية إستراتيجية إدارية ترتكز على مجموعة من القيم وتستمد طاقة حركتها من المعلومات التي نتمكن في إطارها من توظيف مواهب العاملين واستثمار قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي لتحقيق التحسن المستمر للمنظمة.
ومن التعاريف السابقة نستنتج أنه من الضروري بمكان تسخير كافة الإمكانيات المادية والبشرية ، ومشاركة جميع الجهات والإدارات والأفراد في العمل كفريق واحد ، والعمل في اتجاه واحد وهو تطبيق معايير إدارة الجودة الشاملة في النظام التربوي التعليمي ، وتقويم مدى تحقيق الأهداف ، ومراجعة الخطوات التنفيذية التي يتم توظيفها .
ويعتبر إدوارد ديمنج رائد فكرة الجودة الشاملة حيث طور أربعة عشر نقطة توضح ما يلزم لإيجاد وتطوير ثقافة الجودة ، وتسمى هذه النقاط " جوهر الجودة في التعليم " وتتلخص فيما يلي :
1 ـ إيجاد التناسق بين الأهداف .
2 ـ تبني فلسفة الجودة الشاملة .
3 ـ تقليل الحاجة للتفتيش .
4 ـ أنجاز الأعمال المدرسية بطرق جديدة .
5 ـ تحسين الجودة ، الإنتاجية ، خفض التكاليف .
6 ـ التعليم مدى الحياة .
7 ـ القيادة في التعليم .
8 ـ التخلص من الخوف .
9 ـ إزالة معوقات النجاح .
10 ـ خلق ثقافة الجودة .
11 ـ تحسين العمليات .
12 ـ مساعدة الطلاب على النجاح .
13 ـ الالتزام .
14 ـ المسئولية .
وحتى يكون للجودة الشاملة وجود في مجال التطبيق الفعلي لا بد من توفر خمسة ملامح او صفات للتنظيم الناجح لإدارة الجودة الشاملة من اجل الوصول إلى جودة متطورة ومستدامة وذات منحنى دائم الصعود ، وهذه الملامح هي :
1 ـ حشد جميع العاملين داخل المؤسسة بحيث يدفع كل منهم بجهده وثقله تجاه الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة مع التزام الكل – دون استثناء – كل فيما يخصه.
2 ـ الفهم المتطور والمتكامل للصورة العامة، وخاصة بالنسبة لأسس الجودة الموجهة لإرضاء متطلبات "العميل" والمنصبة على جودة العمليات والإجراءات التفصيلية واليومية للعمل .
3 ـ قيام المؤسسة على فهم العمل الجماعي.
4 ـ التخطيط لأهداف لها صفة التحدي القوي والشرس والتي تلزم المؤسسة وأفرادها بارتقاء ملحوظ في نتائج جودة الأداء .
5 ـ الإدارة اليومية المنظمة للمؤسسة- القائمة على أسس مدروسة وعملية – من خلال استخدام أدوات مؤثرة وفعالة لقياس القدرة على استرجاع المعلومات والبيانات ( التغذية الراجعة )

لماذا الجودة الشاملة ؟
هناك تساؤلات كثيرة تطرح من غير الراغبين في تطبيق إدارة الجودة الشاملة سواء في المؤسسات التجارية والمصانع والمنظمات الدولية ، أو حتى من الراغبين في تطبيقها والمهتمين بها ، وهذه التساؤلات تحتم علينا أن نستعرض بعض الأسباب التي تستدعي تطبيق الجودة :
1 ـ ما يمكن أن يترتب عليها من مزايا لحفظ ما يقارب من 45 % من تكاليف الخدمات التي تضيع هدرا بسبب غياب التركيز على الجودة الشاملة .
2 ـ أصبح تطبيق الجودة الشاملة ضرورة حتمية تفرضها المشكلات المترتبة على النظام البيروقراطي ، إضافة إلى تطور القطاع الخاص في المجالات المختلفة .
3 ـ المنافسة الشديدة الحالية والمتوقعة في ظل العولمة .
4 ـ متطلبات وتوقعات العملاء في ازدياد مستمر .
5 ـ متطلبات الإدارة لخفض المصروفات ، والاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية .
6 ـ متطلبات العاملين فيما يخص أسلوب وجودة العمل .
7 ـ تعديل ثقافة المؤسسات التربوية بما يتلاءم وأسلوب إدارة الجودة الشاملة ، ويجاد ثقافة تنظيمية تتوافق مع مفاهيمها .
8 ـ الجودة الشاملة تؤدي إلى رضا العاملين التربويين والمستفيدين ( الطلاب ) وأولياء أمورهم ن والمجتمع .
9 ـ يعتمد أسلوب إدارة الجودة الشاملة بوجه عام على حل المشكلات من خلال الأخذ بآراء المجموعات العاملة التي تزخر بالخبرات المتنوعة .
10 ـ تطبيق إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية التعليمية يتطلب وجود مقاييس ومؤشرات صالحة للحكم على جودة النظام التعليمي ، وضرورة الاستفادة من أخطاء المرحلة السابقة في المرحلة اللاحقة .

فوائد تطبيق الجودة الشاملة :
للجودة الشاملة فوائد كثيرة ومتعددة تظهر نتائجها من خلال المؤسسات التي تقوم بتطبيقها ، ولكننا سنكتفي في هذا المقام برصد فوائدها في مجال التربية والتعليم :
1 ـ تحسين العملية التربوية ومخرجاتها بصورة مستمرة .
2 ـ تطوير المهارات القيادية والإدارية لقيادة المؤسسة التعليمية .
3 ـ تنمية مهارات ومعارف واتجاهات العاملين في الحقل التربوي .
4 ـ التركيز على تطوير العمليات أكثر من تحديد المسؤوليات .
5 ـ العمل المستمر من أجل التحسين ، والتقليل من الإهدار الناتج عن ترك المدرسة ، أو الرسوب .
6 ـ تحقيق رضا المستفيدين وهم ( الطلبة ، أولياء الأمور ، المعلمون ، المجتمع ) .
7 ـ الاستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية المتاحة.
8 ـ تقديم الخدمات بما يشبع حاجات المستفيد الداخلي والخارجي.
9 ـ توفير أدوات ومعايير لقياس الأداء.
10 ـ تخفيض التكلفة مع تحقيق الأهداف التربوية في الوسط الاجتماعي.

الجودة الشاملة والتدريس النشط الفعال : ـ
من خلال المفاهيم المتعددة لإدارة الجودة الشاملة ومدى تطبيقها في مجال التدريس النشط والفعال يمكننا القول أنه يمكننا تحقيق الآتي : ـ
1 ـ مشاركة الطلاب للمدرس في التخطيط لموضوع الدرس ، وتنفيذه بما يحقق مبدأ الإدارة التشاركية ، الذي على أساسه يكون المعلم والمتعلم على حد سواء مسؤولين عن تحقيق التدريس النشط .
2 ـ تطبيق مبدأ الوقاية خير من العلاج : والذي يقضي تأدية العمل التدريسي من بدايته حتى نهايته بطريقة صحيحة تسهم في تجنب وقوع الأخطاء وتلافيها .
3 ـ يقوم التدريس النشط والفعال على أساس مبدأ التنافس والتحفيز الذي يستلزم ضرورة توافر أفكار جديدة ، ومعارف حديثة من قبل المعلم والمتعلم على حد سواء .
4 ـ لتحقيق التدريس النشط الفعال عندما نطبق مبدأ المشاركة التعاونية ، يتطلب مبدأ المشاركة الذاتية إتاحة الفرصة كاملة أمام جميع المتعلمين لإبداء الرأي والمشاركة الإيجابية في المواقف التعليمية التعلمية .