الفارس النبيل المشير الجمسى حياته ووفاته وزواجه ومذكرات المشير الجمسي تكشف أسرار حرب أكتوبر

 

 
محمد عبد الغني الجمسي (1921 – 7 يونيو 2003) ضابط في الجيش المصري شغل منصب رئيس المخابرات الحربية (1972) ورئيس أركان القوات المسلحة (1973) و وزير الحربية (1974).

 

ولد محمد عبد الغني الجمسي في محافظة المنوفية بقرية البتانون لأسرة ريفية تتكون من خمسة أشقاء وكانت أسرته ميسورة الحال.

 

التحق بالكلية الحربية وهو ابن 17عاماوتخرج منها عام 1939 في سلاح المدرعات.

 

زواجه

بدأ المشير عبد الغني الجمسي حياته بزواجه من رفيقته السيدة (وفاء عبد الغنى) والتي رحلت في 20-11-1979 بعد صراع طويل مع مرض الفشل الكلوي, وقد أنجبت له (مدحت – ماجدة – مها- وحيد- امين- منى) ولديه من الاحفاد (احمد- محمد- الاء – شيماء – شريف)وتأتي أهميتهم في حياة بطلنا حيث أهدى لهم كتابه عن حرب أكتوبر 1973. وكان يسمي ثعلب الحرب

 

صمت المشير

حدث وأن التزم المشير عبد الغني الجمسي كثيرا من الصمت بعد حرب أكتوبر وحتى فترة طويلة بعدها، وتحدث عن الحرب -بالخطأ والصواب- كل من شاهد ولم يُشاهِد، كل من عاصر ولم يُعاصر، حتى اختلطت الأقاويل وكادت أن تتشوه الأحداث، فكان توجيه الصحفي الكبير الأستاذ حلمي سلام رسالة على صفحات مجلة آخر ساعة للمشير الجمسي بعنوان: “رسالة إلى المشير الجمسي – السكوت ليس دائما من ذهب”.

 

هزيمة 67

يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي: بدأت أحداث 67 بمعلومات غير صحيحة عن حشد للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية للاعتداء عليها، ترتب عليها مظاهرة عسكرية في مصر تحولي إلى حرب حقيقية لم تكن مصر والدول العربية جاهز لخوضها بينما كانت إسرائيل على استعداد لها.[1]

للخروج بالدروس المستفادة من حرب يونيو 1967، لابد من إلقاء نظرة عليها لأننا -نحن العرب- مازلنا نعيش بعض أثارها القائمة، فقواتنا المسلحة اشتركت في حرب 67 وحرب 73 ضد نفس العدو، واختلفت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر..وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو هم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات، ولا يمكن أن يقال أن جيلا حل محل جيل. وأن الموقف الاستراتيجي العسكري في أكتوبر 73 كان أصعب منه في حرب 67، وبرغم ذلك فقد عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر في ظروف سياسية وعسكرية أعقد مما كانت في يونيو 1967.[1]

“عبد الناصر كان مش عايز يحارب إسرائيل، عبد الناصر كان عايز يكتسب مظاهر دعائية إيجابية عن طريق استخدام القوات المسلحة كقوة” محمد فوزي – رئيس هيئة الأركان العامة للجيش المصري [2]

إذا كانت الحروب التي دارت بين إسرائيل والعرب تجذب الناس بأحداثها ونتائجها المباشرة، إلا إنني أشعر دائما أننا -نحن العرب- لا نتعمق في دراسة جذور الصراع العربي الإسرائيلي لمعرفة ما قامت به الصهيونية العالمية والدول الكبرى من تخطيط حتى أقامت دولة إسرائيل. والدليل على هذا مقولة دافيد بن جوريون منشئ الدولة-الإسرائيلية: “دولة إسرائيل هي مجرد مرحلة على طريق الحركة الصهيونية الكبرى التي تسعى إلى تحقيق ذاتها، بحيث لا تشكل هذه الدولة هدفا في حد ذاته بل وسيلة إلى غاية نهائية، وحدود إسرائيل تكون حيث يقف جنودها”

وتأكيدا على كلام الجمسي يقول بهى الدين نوفل نائب رئيس قسم العمليات في الجيش المصري [3] : شاهد الأردنيون 180 طائرة إسرائيلية تحلق متجهة إلى الحدود المصرية صباح يوم 5 تموز 1967 فأرسلوا ببرقية تحذير إلى المصريين، وصلت إليهم مشفرة، وكان نصها (عنب عنب)، عدا أن الشفرة قد تم تغيريها قبل يوم واحد فقط، واستغرق فك الشفرة وقتا طويلا أدى لانعدام جدوتها، حيث كانت القوات الإسرائيلية قد هاجمت بالفعل، وكان قد تم تدمير كل أغلبية الطائرات المصرية” وقد كان عدد الدبابات المصرية في سيناء يقدر بثلاثة أضعاف عدد الدبابات الإسرائيلية، ولكنها في غياب الغطاء الجوي أصبحت عاجزة تماما.

يقول الجمسي: لقد خاضت قواتنا المسلحة حرب يونيو وحرب أكتوبر ضد نفس العدو، واختلقت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو هم أنفسهم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات، وفضلا عن ذلك فإن الموقف العسكري الاستراتيجي في أكتوبر كان أصعب من الموقف في حرب يونيو وبرعم ذلك عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر العسكري في ظروف سياسية أعقد مما كانت في يونيو.[1]

ومن الملفت للنظر أن إسرائيل انتصرت في حرب يونيو من حدود اعتبرتـُها غير آمنة وانتصرنا عليها -نحن العرب- في حرب أكتوبر من حدود اعتبرَتـَها آمنة”.

ويقول الرئيس المصري محمد أنور السادات: لم يكن يخامرني شك في أن هذه القوات كانت من ضحايا نكسة 1967 ولم تكن أبدا من أسبابا [4]

وكم كانت ملابسات حرب 67 سيئة على المصرين.. فمن المواقف التي حدثت أن أجبر الروس المصريين على التزام الحدود وعدم المبادرة بالهجوم -حتى وإن تلقوا الضربة الأولى. وعليه فقد وقف صدقي قائد القوات الجوية المصرية معترضا: “الضربة الأولى ستكون كاسحة لقواتنا”

فرد المشير (عبد الحكيم عامر): طب يا (صدقي) تحب تاخد الضربة الأولى وتحارب إسرائيل، ولا متخدش الضربة الأولى وتحارب أمريكا.

 

خبرات

مع اشتعال الحرب العالمية الثانية ألقت به الأقدار في صحراء مصر الغربية؛ حيث دارت أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة روميل، وكانت تجربة مهمة ودرسا مفيدا استوعبه الجمسي واختزنه لأكثر من ثلاثين عاما حين أتيح له الاستفادة منه في حرب رمضان.

تلقى المشير عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، ثم عمل ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرسا بمدرسة المخابرات. كان يدرس التاريخ العسكري لإسرائيل الذي كان يضم كل ما يتعلق بها عسكريا من التسليح إلى الإستراتيجية إلى المواجهة كان قائد القوات المصرية في حرب العاشر من رمضان.

وقد كانت للمشير الجمسي نظرة تحليلية متفحصة للأمور، خاصة في التعامل مع الإسرائيليين سواء في فترة الحرب أو فترة ما بعد الحرب، فدائما ما كان يرى الجمسي أن العرب ينظرون للإسرائيليين نظرة قاصرة غير دقيقة، وأنهم كانوا دوما مستعدين للحرب معنا، بينما نحن العرب لم نكن على درجة الاستعداد المطلوب.

هو عسكري صنف ضمن أبرع 50 قائدا عسكريا في التاريخ كما ذكرت أشهر الموسوعات العسكرية العالمية.

وقد مضى على الصراع العربي الإسرائيلي ثلاثون عاما 1948 -1978 دار خلالها أربعة حروب، هي حرب فلسطين 1948 وحرب العدوان الثلاثي 1956على مصر وحرب يونيو 1967 ثم حرب أكتوبر 1973، وهي حروب عاصرها الجمسي واشترك فيها عدا الأولى.

حرب أكتوبر

 

يعتبر الجمسي من معدي خطة العبور فيما يسمى بكشكول الجمسي كما اطلق عليها الرئيس السادات “بدر.. بدر.. بدر.. بدر”. هكذا صاح رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة -ظهر السادس من أكتوبر- لينطق بصوت متهدج متحمس كلمة السر المتفق عليها لبدء حرب استعادة الأرض المغتصبة والشرف المنتهك. بدر بدر بدر.. لتنطلق أربعة طائرات وتعبر خط برليف كبداية.

 

المفاوضات

اختاره السادات قائدا للمفاوضات مع الإسرائيليين بعد الحرب. بعد الحرب مباشرة رُفي الفريق الجمسي إلى رتبة الفريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974 وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975

وللحق فقد كان المشير عبد الغني الجمسي من أذكى وأقوى القادة الذين حاربوا إسرائيل على الإطلاق، وحتى في مباحثات السلام -الكيلو 101- كان من أشرس القادة الذين جلسوا مع الإسرائيليين على مائدة المفاوضات، ولا يمكن أن ننسى بحال خروجه على الجنرال “ياريف” رئيس الوفد الإسرائيلي دون إلقاء التحية أو المصافحة. وبكل تجاهل جلس مترئسا الوفد المصري مفاوضا.

كان ذلك في يناير 1974 عندما أخبره كيسنجر بموافقة الرئيس السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس، فرفض الجمسي وسارع بالاتصال بالسادات الذي أكد موافقته؛ وكان صدام القرار الاستراتيجي والعسكري، ليعود الرجل إلى مائدة التفاوض يقاوم الدموع، ثم لم يتمالك نفسه فأدار وجهه ليداري دمعة انطلقت منه حارقة؛ حزنا على نصر عسكري وأرواح آلاف الرجال تضيعها السياسة على موائد المفاوضات. وكانت مفاجأة لهنري كيسنجر أن يرى دموع الجنرال الذي كثيرا ما أسرّ له القادة الإسرائيليون بأنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من القادة العسكريين العرب.

وفاته

رحل المشير الجمسي في صمت بعد معاناة مع المرض، وصعدت روحه إلى ربه في 7 يونيو 2003 عن عمر يناهز 82 عاما، عاش خلالها حياة حافلة.

 

مذكرات المشير الجمسي تكشف أسرار حرب أكتوبر 


في اليوم الرابع للقتال 9 أكتوبر كانت القوات المصرية قد حققت إنجازا عسكريا , وتحطمت كل هجمات إسرائيل المضادة, وكان لابد من استمرار الهجوم لتحقيق الهدف الاستراتيجي للحرب وهو الوصول إلي خط المضايق.

كان ترك العدو بدون ضغط مستمر عليه معناه انتقال المبادأة له, وقد تناقشت مع الفريق أول أحمد إسماعيل ووجدت منه الحذر الشديد من سرعة التقدم شرقا, فكان يري الانتظار لتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة.. وحينما بدأ الهجوم (14 أكتوبر) تعرضت قواتنا لهجمات جوية كثيفة , وكانت خسائرنا في هذا اليوم أعلي مما تكبده العدو, وتوقف هجوم قواتنا بعد أن خسرنا 250 دبابة.
هذه بعض كلمات المشير محمد عبد الغني الجمسي مهندس حرب أكتوبر ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في أكتوبر 1973, وأحد 50 قائدا عسكريا في العالم ذكرتهم أشهر الموسوعات العسكرية العالمية, وذلك في كتابه الخطير “حرب أكتوبر 1973 “.ويبن لنا في كتابه أنه حتي يوم 9 أكتوبر كانت القوات المصرية قد حققت انجازا عسكريا وكان من الضروري استمرار الهجوم لكن جاءت الوقفة التعبوية حتي يوم 14 أكتوبر لتحرم مصر من تحقيق نصر ساحق علي اسرائيل, ويكشف لنا الجمسي عن سؤال هام وهو هل كان العمل السياسي متوافق مع ما تحقق من انجاز عسكري؟ , ويركز الجمسي علي “ثغرة الدفرزوار” وهل حققت فيها إسرائيل نصرا؟

خطة الحرب في كشكول

في الأسبوع الأول من 1972 صدر قرار بتعيين الجمسي رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة, وبدأ الجمسي عمله الجديد مستفيدا من جهد الرجال الذين سبقوه, ليقوم ببناء الاستراتيجية العسكرية المصرية .

قام المشير الجمسي بكتابة هذه خطة الحرب بخط اليد في كشكول دراسي خاص بابنته الصغري ولم يطلع عليه إلا الرئيس السادات والرئيس حافظ الأسد , وقال المشير أحمد إسماعيل عن هذه الخطة ” أن هذا العمل سيدخل التاريخ العلمي للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين” .

واشتملت الدراسة علي جميع أيام العطلات الرسمية في إسرائيل بخلاف يوم السبت, ثمانية أعياد في السنة منها ثلاثة أعياد في أكتوبر هي عيد الغفران وعيد المظلات وعيد التوراة, ولكل عيد تقاليد وإجراءات يقومون بها تختلف عن الأخر,ويوافق يوم عيد الغفران يوم سبت , والأهم من ذلك هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد العيد, أي أن استدعاء قوات الاحتياطي بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة ، ولكن بالنسبة للجبهة السورية كان لابد إلا يتأخر بدء الهجمات لبعد أكتوبر نظرا لبدء تساقط ثلوج الشتاء.


أكتوبر أنسب الشهور



حددت الدراسة أنسب الشهور خلال عام 1973 , وكان أنسبها هو مايو أو أغسطس أو سبتمبر/ أكتوبر , وكان أفضلها أكتوبر حيث أن ظروف الطقس والأحوال الجوية مناسبة للعبور وأن فترة الليل طويلة يصل الإظلام في بعض لياليه إلي ساعات طويلة, وحالة البحر مناسبة , والشهر يزدحم بثلاثة أعياد وتستعد فيه الدولة لانتخابات الكنيست, كما أن شهر رمضان يأتي خلال هذا الشهر بما له من تأثير معنوي علي قواتنا ولا يتوقع العدو قيامنا بالهجوم خلال شهر الصيام.

وقع الاختيار علي يوم السبت 6 أكتوبر /10 رمضان للقيام بالهجوم, فهو يوم عيد في إسرائيل, والقمر في هذا اليوم مناسب ومضيء من غروب الشمس حتى منتصف الليل, يقول الجمسي ” وقد اعتقد الكثيرون أن هذا اليوم تحدد للهجوم لأنه فقط يوم عيد في إسرائيل وهو اعتقاد خاطئ لأن عوامل عديدة أخري تحكمت في تحديد هذا اليوم”, كما تم اختيار ساعة الهجوم لتكون الثانية وخمس دقائق ظهراً, وهو ما شكل مفاجأة للجميع فالوضع التقليدي لبدء الهجوم هو أن يبدأ في أول ضوء أو آخر ضوء من اليوم.

 

جولدامائير

سيناء حقل نووي !

يؤكد الجمسي أن إسرائيل خططت للحرب مع مصر قبل نشوب حرب أكتوبر, ففي الوقت الذي كنا نخطط فيه لتحرير أراضينا كانت إسرائيل تخطط لاحتلال مزيد من الأراضي. فقد وضع ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في أوائل عام 1973 خطة عسكرية رسم خريطتها بنفسه وعرضها علي الجنرال اليعازار رئيس الأركان أطلق عليها اسم “الحزام الأسود” , وكان تحقيقها يحتاج إلى عوامل أهمها أولا : ضم جنوب لبنان إلى إسرائيل , ثانيا : ضم أجزاء أخري من سوريا , ثالثا : إنشاء خط محصن يشبه خط بارليف في غور الأردن لحماية المستعمرات ورابعا تحويل سيناء إلى مركز تجارب للمفاعلات الذرية.

ولم تتواني إسرائيل في تنفيذ مخططها ففي الخامس من أكتوبر 1973 , عقد اجتماع طارئ لمجلس رئاسة أركان الإسرائيلي بحضور مائير رئيسة وزراء إسرائيل شرح فيه ديان خطته وتوقيتاتها والهدف منها..وكان ديان يقدر أن تتم العملية في الفترة من 22 إلي 25 أكتوبر 1973, لكن في ضوء الموقف الذي كان يناقشه مجلس الأركان سألت مائير ديان عن رأيه , فقال “سأجعل ضربتي مبكرة كثيرا, ستكون ضربتي صباح الثامن من أكتوبر” , وبالفعل وافقت مائير علي الخطة. لكن يشاء الله سبحانه أن تكون لمصر المبادأة لأول مرة في تاريخ الحروب الإسرائيبلية العربية ليبدأ عبورنا المشرف يوم 6 أكتوبر أي قبل الهجوم الإسرائيلي بيومين فقط.
اختراق خط بارليف

تحقيق المهمة

في اليوم الرابع للقتال 9 أكتوبر كانت القوات المصرية قد حققت إنجازا عسكريا , فقد أنشأ كل من الجيشين الثاني والثالث رأس كوبري جيش بعمق 12 –15 كم في سيناء تحطمت عليه كل هجمات إسرائيل المضادة, وكان لابد من استمرار الهجوم لتحقيق الهدف الاستراتيجي للحرب وهو الوصول إلي خط المضايق.

كان ترك العدو بدون ضغط مستمر عليه معناه انتقال المبادأة له, ولا ينتظر أن تتخذ القوات الإسرائيلية أوضاعا دفاعية حتى نهاية الحرب بل أنها ستحاول اختراق أحد القطاعات بالجبهة حتى يكون دفاعها إيجابيا نشطا وقد تصل بعض قواتها إلي خط القناة. لذلك يجب حرمان العدو من القيام بهذا العمل بتطوير الهجوم شرقا.

رأى الجمسي استغلال الموقف لتطوير الهجوم شرقا طبقا للخطة دون أن نتوقف طويلا حتى نحرم العدو من فرصة تدعيم مواقعه أمام قوات الجيش. وقد تناقش الجمسي مع الفريق أحمد إسماعيل في هذا الموضوع يوم 9 أكتوبر.. ووجد منه الحذر الشديد من سرعة التقدم شرقا, فكان يري الانتظار لتكبيد العدو اكبر خسائر ممكنة, انتهت المناقشة باقتناع الفريق أول أحمد إسماعيل بضرورة عمل وقفة تعبوية ثم استئناف الهجوم شرقا.
إمدادات أمريكية لإسرائيل

كان توقيت تطوير الهجوم في سيناء من أهم عوامل نجاحه, وكان من الواضح أنه كلما طال وقت الانتظار بعد 9 أكتوبر كان لدي العدو فرصة تدعيم موقفه العسكري وتجعل قواته أكثر ثابتا في مواجهة قواتنا . وظهرت بوادر نجاح اسرائيلي علي جبهة الجولان يوم 10 أكتوبر وهو ما شكل عامل ضغط علي الرئيس السادات الذي اصدر قرارا يوم 12 أكتوبر بتطوير الهجوم شرقا لتخفيف الضغط علي الجبهة السورية, ثم تأجل الموعد ليكون الساعة 6.30 يوم 14 أكتوبر.

وحينما بدأ الهجوم كانت إسرائيل قد استعدت ووصلتها الإمدادات الأمريكية, وتقدمت قواتنا المهاجمة وسط مقاومة شديدة من العدو, وتعرضت قواتنا لهجمات جوية كثيفة الأمر الذي جعل تقدم قواتنا بطيئا , ودار في هذا اليوم أكبر وأعنف معارك الدبابات التي حدثت في الحرب, اشترك فيها من الطرفين حوالي ألف وخمسمائة دبابة تدعمها المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات في ظل نشاط جوي كثيف للطرفين, وكانت خسائرنا في هذا اليوم أعلي مما تكبده العدو وتوقف هجوم قواتنا بعد أن خسرنا 250 دبابة.

لقد كانت دفاعات العدو وصمود قواته قويا بدرجة ملحوظة الأمر الذي يوضح ان القوات الإسرائيلية علي استعداد لهذه المواجهة, واستمر القتال نشطا يوم 15 أكتوبر حيث بدأت “معركة الدفرزوار” والتي أصطلح علي تسميتها في مصر والوطن العربي” الثغرة” .

ويشير الجمسي في كتابه إلي الرسالة التي بعث بها السيد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي يوم 7 أكتوبر تعبيرا عن رأي السادات إلي الدكتور كسنجر وزير خارجية أمريكا جاء فيها “لا تعتزم مصر تعميق الاشتباكات أو توسيع الجبهة” وهي الرسالة التي فسرها كسنجر علي أن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل بعد المعارك التي كسبتها.

قصة الثغرة

ثغرة الدفرسوار

يؤكد المشير الجمسي أن الهدف من عملية الثغرة لدي إسرائيل كان محاولة منها لتحسين صورتها أمام وسائل الإعلام بعد سلسلة من الهزائم , ويري الجمسي أنه من حق الكثيرين أن يتساءلوا لماذا حدثت الثغرة؟ وكيف حدثت؟ , وخاصة بعد النجاح الكبير لقواتنا المسلحة التي نجحت في يوم واحد في انشاء خمسة رؤوس لكباري.

وينتقد الجمسي الطريقة التي تعاملت بها مصر إعلاميا مع الثغرة , ففي الوقت الذي كان المواطنون يستمعون في الإذاعات الأجنبية وما يكتب في الصحف بالخارج نقلا عن إسرائيل يجدون في الإعلام المصري تعتيما عما يدور في أرض المعركة, وزاد الأمر بلة تريحات السادات التي أعطت الانطباع بأن الفريق الشاذلي لم يبذل الجهد الكافي في التعامل مع الثغرة.

كانت القوات الإسرائيلية قد منيت بخسائر عديدة طوال أيام القتال , وزاد الوضع الداخلي سوءا في إسرائيل , وقالت جولدا مائير “لا أعرف كيف سأواجه عائلات القتلى الكثيرين في الحرب” ,, لذلك كانت القيادة الإسرائيلية تستميت للقيام بعمل عسكري يعيد للجيش الإسرائيلي ثقته بنفسه وثقة الشعب الإسرائيلي به .

ومن وجهة نظر السياسة الأمريكية , كانت أمريكا تري أن هزيمة إسرائيل تعني أمريكا في الشرق الأوسط إذا حسم السلاح السوفيتي نتيجة هذه الحرب, كما أن نجاح إسرائيل في إحدى المعارك يعطي لأمريكا ورقة للمساومة بها سياسيا في المفاوضات التي تعقب الحرب.

كيف حدثت الثغرة؟

في صباح 15 أكتوبر ركز العدو مجهوده الرئيسي علي الجنب الأيمن للجيش الثاني بغرض عمل اختراق للجيش والوصول ببعض قواته إلي الضفة الشرقية للقناة… واشتبكت القوات الإسرائيلية بقيادة شارون في قتال عنيف مع القوات المصرية مما جعل تقدمها بطيئاً برغم أنها تمكنت من عمل اختراق في مواقع الجنب الأيمن للجيش الثاني , وتحت ستار القتال الشديد تسللت قوة من لواء مظلات إسرائيلي ليلا إلي الشاطئ الشرقي للقناة ليلة 15/16 أكتوبر , ومنها عبرت في قوارب إلي الشاطئ الغربي للقناة في منطقة الدفرزوار , ولحقت بها سرية دبابات حوالي 7-10 دبابات..وتمكنت قوات الجنب الأيمن للجيش الثاني من إغلاق الممر الصحراوي، وبذلك أصبحت القوات الإسرائيلية في غرب القناة معزولة.

معركة المزرعة الصينية

منذ صباح يوم 16 أكتوبر تصاعد القتال واشتعل في ميدان المعركة الرئيسي شرق الدفرزوار في سيناء وفي معركة المزرعة الصينية, وهي مزرعة للتجارب أقامتها وزارة الزراعة شمال شرق الدفرزوار… كانت القيادة الإسرائيلية قد اضطرت إلى إقحام فرقة مدرعة جديدة “فرقة آدان” في المعركة لفتح ممر شمال البحيرات المرة حتى يمكن توصيل المعدات إلي الضفة الشرقية للقناة , اشتبكت القوات المصرية مع فرقة آدان في معركة المزرعة الصينية, ونجحت القوات المصرية في منع قوات ادان من فتح الممر بعد معركة ضارية.

لقد جذبت هذه المعركة اهتمام قيادة الجيش الثاني , بينما كان القتال دائرا علي الجنب الأيمن للجيش في قطاع الفرقة 16 مشاة . وخلال ذلك تمكن الجنرال آدان من تحريك الاطواف العائمة ووصلت إلى خط المياه حيث أقيم المعبر يوم 17 أكتوبر.

خطأ في التقدير

ويؤكد المشير الجمسي أن اتساع معركة الدفرزوار يرجع إلي خطأ في تقدير حجم القوات الإسرائيلية التي نجحت في التسلل إلى غرب القناة, فقد كان تقدير قائد الجيش الثاني أن 7 دبابات فقط هي التي عبرت وبالتالي سيتم القضاء عليها بسهوله , وثبت فيما بعد أن العدو كان له حوالي 30 دبابة وحوالي كتيبة من المظلات.

بدأت الدبابات الإسرائيلية تشكل نفسها في مجموعات تطلق نيرانها من مسافة كيلومتر واحد علي مواقع صواريخ الدفاع الجوي,, لذلك قرار القائد العام قرارا بضرورة سد الثغرة في شرق القناة لمنع تدفق القوات الإسرائيلية , وعزل القوة التي تعمل في الغرب تمهيدا لتدميرها.

وفي يوم 17 , بدأ تنفيذ الخطة بأن تقوم الفرقة 21 مدرعة (الجيش الثاني) بدفع أحد لواءاتها في اتجاه الجنوب وفي نفس الوقت يقوم الجيش الثالث بدفع اللواء 25 مدرع في اتجاه الشمال وبالتالي يمكن سد الثغرة من الشرق. وفي نفس الوقت يقوم لواء من الفرقة 23 ميكانيكية بالهجوم ضد قوات العدو الموجودة في غرب القناة.. لكن تعرض اللواء 25 مدرع لقصف جوي شديد وبالتالي لم يتم سد الثغرة من الشرق, وقام العدو بدفع الجنب الأيمن للجيش لمسافة 3-4 كيلومترات شمالا حتى تمكن من دفع وحدة الكباري وإسقاط كوبري بالقناة, وبالتالي أصبح لقوات شارون كتيبتان من الدبابات وكتيبتان من المظلات محملة علي عربات مجنزرة.

الهجوم علي الإسماعيلية

اتجهت قوات شارون شمالا في اتجاه الإسماعيلية في محاولة لدخول المدينة لاحتلالها وأحداث تأثير كبير علي معنويات الجيش والشعب المصري , لكن ثبت أبطالنا في وجه شارون وحرموه من تحقيق هدفه السياسي والعسكري.

في ليلة 17/18 أكتوبر عبرت فرقة آدان المدرعة وتوجهت جنوبا نحو السويس, يقول المشير الجمسي ” ومنذ مساء هذا اليوم , ونظرا لأن العدو أصبح لديه فرقتان مدرعتان غرب القناة , كان لابد أن تدور المعارك الرئيسية في المنطقة غرب الدفرزوار”

 

الجندي المصري فى حرب اكتوبر

وقف اطلاق النار

قرر السادات الموافقة علي وقف إطلاق النار بعد عودته من غرفة العمليات ليلة 20/21 , وصدر قرار مجلس الأمن بوقف القتال علي أن يبدأ يوم 22 الساعة 6.52 دقيقة مساء بتوقيت القاهرة, وعندما توقف القتال لم تكن إسرائيل قد حققت هدفا سياسيا أو عسكريا, لذلك قررت أن تدفع بقوات جديدة إلى غرب القناة ليلة 22/23 وليلة 23/24, ثم استمرت في القتال وتقدمت قواتها جنوبا للوصول إلي مؤخرة الجيش الثالث لقطع طريق مصر السويس الصحراوي والاستيلاء علي مدينة السويس. ولمواجهة هذا التعدي أصدرت القيادة العامة تعليماتها لمحافظ السويس للدفاع عن المدينة ومنع العدو من احتلالها , واتصل السادات بأمريكا لتعمل بطريقة فعالة لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار.

ودار القتال خلال المدة من 22 /24 أكتوبر بعنف شديد , ويقرر الجمسي أن العدو خلال هذه الفترة كان له التفوق العسكري كما كانت المبادأة من جانبه , والسبب في ذلك أن منطقة غرب القناة كان بها الكثير من المستودعات والمخازن الإدارية التي لا يتيسر لها بحكم عملها وتنظيمها التسليح الكافي للدفاع عن قوات مدرعة معادية, ونتيجة للعمل السياسي صدر قرار من مجلس الأمن مساء يوم 23 أكتوبر يحث الأطراف علي الالتزام بقراره السابق.
السادات في أكتوبر

معركة السويس

برغم صدور القرار 339 رسميا من مجلس الأمن ,إلا أن إسرائيل تركت لجيشها حرية العمل علي أمل احتلال السويس, ودارت معركة السويس اعتبارا من 24 أكتوبر بمقاومة شعبية من أبناء السويس , يقول الجمسي ” ويصعب علي المرء أن يصف القتال الذي دار بين الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية من جهة وشعب السويس من جهود أخرى وهو القتال الذي دار في بعض الشوارع وداخل المباني”, ومع فشل العدو توجه جنوبا الي ميناء الأدبية جنوب السويس واستولي علي الميناء, كما نجح في قطع طريق مصر السويس الصحراوي وهو الورقة التي استغلتها إسرائيل بعد ذلك سياسيا بعد توقف القتال.

الموقف عند انتهاء القتال

كانت قوات العدو في سيناء تقف دون تأثير, وفي غرب القناة فشلت في تهديد مدينة الإسماعيلية أو احتلال مدينة السويس, ولكنها تمكنت من قطع طريق مصر السويس الصحراوي وهو الطريق الرئيسي لإمداد مدينة السويس وقوات الجيش الثالث الموجودة في سيناء شرق القناة.. أصبحت القوات المعادية في غرب القناة نزيفا لإسرائيل, وليس في قدرتها تحقيق أي هدف آخر فإن خسائرها تتزايد وإخلاء الخسائر لا ينقطع.

نجحت فقط القوات الإسرائيلية في تحقيق هدف تكتيكي وهو قطع طريق مصر السويس الصحراوي ، وبعد سلسلة من الفشل في الإسماعيلية والسويس وقبلهم سيناء ركزت الدعاية الإسرائيلية علي هذا النصر المحدود… ويعترف المشير الجمسي أنه كان من الواجب علينا في مصر أن تكون هناك حملة مضادة توضح الحقائق لكننا لم نفعل مما أدي إلي زيادة اهتمام الرأي العام هنا وهناك بموضوع الثغرة.
الثغرة عبء على إسرائيل

يقول الجمسي ” لابد من التأكيد أن ذلك النجاح الاستراتيجي الذي حققته إسرائيل في معركة الثغرة قد خلق أوضاعا غير ملائمة للقوات الإسرائيلية , كان من المؤكد أن تؤدي إلي فشل استراتيجي محقق إذا ما أستؤنفت أعمال القتال”
كان علي القيادة الإسرائيلية أن تؤمن قواتها في غرب القناة الموجودة في قطاع محدود بالانتشار والاستيلاء علي مساحة أكبر واستتبع ذلك دفع قوات أكبر إلى غرب القناة , فقد أصبح لها حوالي 6-7 ألوية موجودة في منطقة محددة من الأرض ومحاطة من جميع الجهات بقوات مصرية, ولتأمين هذه القوات خصصت إسرائيل قوات أخرى (4-5 ألوية ) لحماية المداخل إلى الثغرة, ولتثبيت رءوس الكباري المصرية الموجودة في سيناء خصصت القيادة الإسرائيلية عشرة ألوية, وبالتالي أصبح من الضروري الاحتفاظ بالاحتياطي الاستراتيجي في أقصي درجات التعبئة.

وهكذا تحولت القوات الإسرائيلية غرب القناة من سلاح تضغط به علينا إلي رهينة نضغط بها علي إسرائيل ومصدر لاستنزاف لأرواح ومعدات واقتصاد إسرائيل..وجاء الاتفاق المصري الإسرائيلي, وظهرت حقيقة الثغرة عندما طلبت إسرائيل ترك الثغرة وسحب قواتها شرقا بعيدا عن القناة.

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More