يعرف نزلاء سجن ليمان طرة أن هذا الرجل الذى كان يسيطر على مقاليد السياسة فى مصر، لا يستطع الآن السيطرة على تفاصيل حياته الخاصة، أو موقفه القانونى، أو أوضاعه العائلية مع زوجاته، وأولاده ومحامييه.
فمن كان يتصور أن أحمد عز الآمر الناهى داخل الحزب الوطنى المنحل، والملياردير الذى اعتاد أن يحرك أسواق الحديد بكلمة منه، يمكن أن ينهار باكيا أمام الناس فى المكان المخصص للزيارة داخل السجن، ومن كان يتصور أن الرجل الذى اختار لنفسه زوجة من نجمات برلمان 2005، الدكتورة شاهيناز النجار، يمكن أن يحل عليه اليوم الذى قد يفقد فيه كل زوجاته بمن فيهم شاهيناز، وعبلة، بعد أن كان قد فقد أم بناته من قبل السيدة خديجة والدة ملك وعفاف أولى بنات عز من هذه الزوجة الأولى.
شاهيناز بدت كرقم غامض فى معادلة عز، فهى المرأة التى كانت محط القلوب والأنظار خلال عام 2005، بعد أن نجحت فى البرلمان كنائبة مستقلة، قبل أن يجبرها الحزب الوطنى على توقيع استمارة العضوية قسرا، كما فعل مع عشرات المستقلين فى هذه الدورة البرلمانية، هذه المرأة التى هزت عرش الكبار فى البرلمان، بعد أن كانت نجمة كلية الطب بالقصر العينى، ونجمة فى عالم الاستثمار السياحى، لارتباطها بوالدتها السيدة نبيلة التى تمتلك مجموعة من الفنادق السياحية، كانت المفاجأة أن هذا الرقم الصاعد فى عالم المرأة المصرية، وفى عالم السياسة والبرلمان، قرر أن يكون رقما أصغر فى معادلة رجل واحد، ورضيت شاهيناز طوعا أن تخلع عن نفسها كل ما بين أيديها من مال وجاه وعضوية فى البرلمان، وعمل فى مجال الطب وريادة فى مجال الفروسية بنادى الجزيرة، لتدخل بإرادتها، وبعاطفتها إلى مملكة أحمد عز.
الآن، لم يعد المشهد كما كان عليه فى الماضى، فالرجل الذى كان حاكما فى الظل لهذا البلد، يقطف الآن ثمار ما جنته يداه فى عالم السياسة والبيزنس، ويحصد الآن ما زرعه فى أوساط عائلته، بعد أن أوشك على الطلاق من السيدتين اللتين جمعهما على ذمته، السيدة شاهيناز، والسيدة عبلة التى كانت المسيطر الأول على ملفاته القانونية منذ دخوله إلى السجن.
زوار طرة، وزملاء عز فى العنبر، ورفقاؤه إلى ساحة الزيارة، والمحامون الذين يتقاسمون معه حل أزمته القانونية، يعرفون تفاصيل مدهشة عما يدور الآن فى الكواليس، فالرجل يوشك على مواجهة عاصفة طلاق لكلتا الزوجتين اللتين جمعهما على ذمته، عبلة وشاهيناز، ويبدو، حسب روايات الشهود، أن هذا الطلاق العاصف والمفاجئ، يرجع لأسباب مختلفة بعضها مالية وبعضها الآخر يرتبط بملفات عاطفية، ومشكلات عائلية حلت عليه قبل الثورة.
فالسيدة عبلة التى سيطرت على الملف القانونى لأحمد عز خلال وجوده فى السجن، ونجحت فى الهيمنة على القرار فيما يتعلق بالمحامين والزيارات والترتيبات المالية والقانونية، بدت لفترة أنها الأقوى والأقرب، إلا أن أحمد عز فاجأها بأن نقل الوصاية عليه فى السجن إلى ابنته الصغرى «عفاف» والتى تعيش مع والدتها فى فيلا بالمنصورية، فى حين أعفى ابنته الكبرى ملك من هذه الوصاية، لتفرغ عفاف لمتابعة شؤون والدها، وبدا أن هذا القرار يعصف بالسيطرة المطلقة التى تمتعت بها السيدة عبلة.
عبلة كانت على الدوام هى عنوان الأزمات العائلية فى حياة عز، فهى زوجته الثانية بعد زوجته الأولى وأم بناته خديجة، وقد عملت معه لسنوات كمديرة لمكتبه، قبل أن يقرر الزواج منها، وينجب ابنه الوحيد أحمد أحمد عز، ثم قرر أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل فى لحظة عاطفية نادرة، أن يختار السيدة الأولى فى البرلمان المصرى فى 2005 شاهيناز النجار زوجة له، وفى لحظة عاطفية فريدة أيضاً، تخلت شاهيناز عن كل شىء وأى شىء لصالح هذا الزواج، وقفزت إلى مملكة هذا الرجل بثقة كاملة فى شخصه، وتخلت طوعا عن كل ما كانت تتمتع به من قبل.
كانت الصدمة قاسية على عبلة التى اعتبرت نفسها ليست زوجة فحسب، ولكنها أمين أسرار عز فى عالم البيزنس، فهددت بالانتحار، وهوت إلى أزمة عصبية طويلة، واضطر عز إثر هذه الأزمة العاطفية أن يقدم على أول خداع لزوجته السيدة شاهيناز، ففى الوقت الذى كانت شاهيناز قد باعت كل شىء من أجل هذا الرجل، كانت المفاجأة أن عز أقدم على رد زواجه من عبلة تحت تأثير الضغوط الهائلة التى تعرض لها بفعل أزمتها العصبية والنفسية، وحماية لاستثماراته من أن تفقد عبلة صوابها فى لحظة خاطفة، فتطيح بكل شىء بما تعرفه من معلومات وأسرار عن هذه المملكة الاقتصادية الهائلة، رغم أن اسم عبلة لم يكن مسجلا فى وثيقة زواجه من شاهيناز الأمر الذى أكد لشاهيناز طلاقه منها نهائيا.
كانت تلك هى الصدمة الأولى لشاهيناز النجار، فالرجل الذى باعت من أجله كل شىء، وظنت أنه قد وهب لها حياته، طعنها فى كرامتها العاطفية بعد أسابيع قليلة من الزواج، وقام برد زوجته الثانية ووالدة ابنه الوحيد سرا، دون أن تعرف هى شيئاً، كانت كل الوجوه التى تلتقيها شاهيناز النجار تعرف الحقيقة، وكانت هى بمفردها لا تعرف شيئا سوى حدس المرأة الذى يقودها إلى عالم أسرار زوجها الغامض، على أن القدر لم يضع شاهيناز فى هذه الحالة من الغموض لفترة طويلة، بعد أن ترامت المعلومات تحت قدميها من أطراف مختلفة، لتدخل بعدها فى أزمة عاطفية وعائلية طاحنة مع الزوج الذى ضحت بكل شىء من أجله، وكانت النتيجة أنها اختارت أن تحيا بمفردها طوال الأشهر التى سبقت الانتخابات البرلمانية فى 2010، لتتفق معه على الطلاق بعد نهاية الانتخابات.
وفيما التزمت شاهيناز الصمت حفاظا على وضع زوجها فى الانتخابات البرلمانية، عصفت الثورة بمملكة هذا الرجل سياسيا واقتصاديا، واضطرت كأى امرأة مصرية أن تتحلى بالصبر، ولا تخلط الأوراق بين ألمها الخاص كامرأة، وبين ما تحتمه عليها الظروف كزوجة وفية، فدخلت معه فى عين العاصفة، وساندته فى الضراء، كما كانت تسانده فى السراء، إلا أن القدر عاجلها بمفاجأة أخرى، بعد أن اكشفت حقيقة أخرى خلال التحقيقات مع جميع أفراد عائلة عز بعد الثورة، أن وثيقة زواجها من هذا الرجل الذى اختارته طوعا، وتنازلت عن كل شىء من أجله برضا كامل، لم يتم تسجيلها فى السجلات المدنية للدولة، وهو ما يعنى أن الورقة الموقعة عند المأذون، ليست سوى حبر على ورق لا أصل لها فى السجلات، ولا أساس لها فى عالم القانون.
كانت تلك هى القشة التى قصمت ظهرها، وكان هذا هو المسمار الأخير فى نعش الحب الذى لفظ أنفاسه بالفعل قبل الثورة، وكانت تلك هى اللطمة التى لم تتوقعها أبدا، بعد أن اكتشف رجال التحقيقات أن أحمد عز لم يسجل ورقة زواجه من شاهيناز وصرحوا لها بذلك خلال التحقيق وقفز السؤال الجارح من القلب «هل كان أحمد نفسه هو الفاعل الأساسى فى عدم تسجيل هذا الزواج؟ وما هو مصير هذه الوثيقة الشرعية التى بين يديها؟ وإن صح ذلك، كيف استطاع أحمد عز أن يمنع تسجيل زواجها فى سجلات الحكومة؟ ولماذا قرر ذلك من الأساس؟ ثم كيف لعب القدر لعبته لتكتشف هذه المأساة فى اللحظة التى يحتاج فيها أحمد عز إليها، ولا تحتاج هى إليه بأى حال وهو داخل السجن؟.
هى الخديعة إذن، فالرجل الذى كانت سلوكياته السياسية عنوانا لانهيار نظام مبارك، كانت سلوكياته العائلية عنوانا لانهيار امبراطورية الحب من حوله، عبلة، خديجة، رفيقة سنوات العمر وأم بناته تعيش بمفردها مع البنات فى المنصورية، وتدير ظهرها للرجل الذى خدعها وتزوج من مديرة مكتبه عبلة، ثم عبلة والدة ابنه الوحيد نفسها تتلقى صدمة عمرها بزواجه من شاهيناز، ثم شاهيناز نفسها تقع فى صدمة جديدة بعد عودة عز إلى عبلة تحت الضغوط، ثم تهوى على رأسها الصدمة الجديدة، بعدم تسجيل زواجها فى السجلات الحكومية.
لم يكن أحمد عز يتصور أن كل هذه الحقائق ستتكشف تباعا وهو فى زنزانة صغيرة داخل سجن ليمان طرة، ربما تصور أن الدنيا التى يملكها بين يديه ستحميه من خطاياه العاطفية والعائلية، ولم يكن أحمد عز يتصور أن اللحظة التى يواجه فيها الطلاق مع كل من عبلة وشاهيناز، هى اللحظة التى يقف فيها وحيدا، يحتاج إلى كلتا السيدتين لمساندته فى محنة عمره فى الزنازين، وأمام غضبة أمة كاملة على تاريخ هذا الرجل.
يعرف نزلاء طرة الآن أن شاهيناز النجار تتظاهر بالقوة المطلقة، وتخفى تفاصيل مأساتها فى صندوقها الأسود داخل قلب عصف به هذا البطش الغادر، ويعرف نزلاء طرة أيضا، أن عبلة التى خرج من بين يديها الكثير من أدوات السيطرة، ربما تصل إلى اتفاق نهائى مع أحمد عز تضمن به مستقبل ابنها الوحيد، ثم تحصل على طلاق مشرف وآمن بأى وسيلة تنجو بها وابنها من عين العاصفة.
تبقى عفاف الابنة الصغرى هى صاحبة القرار، وإن كانت حياتها لا تخلو من أزمات مع زوجة أبيها الثانية عبلة حتى الآن، ولحين إتمام إجراءات الطلاق المتفق عليه بين الجانبين، وتبقى عفاف هى حجر الزاوية الآن، وصوت أبيها فى الخارج مع هذا الحشد من المحامين الذين يتصدون لقضاياه المتعددة فى المحاكم المختلفة، وتبقى عفاف هى التى تحمل وتتحمل ضريبة هذه الخطايا السياسية والعاطفية التى هوى إليها هذا الأب، الذى كان يوما صرحا يهتز له رجال الحزب والدولة، ثم صار سجينا تهتز عواطفه حتى البكاء أمام الناس، بعد أن انكشفت صور الحقيقة من حولها من غرفة نومه وحتى كل شبر فى مصر.
ربما يكون الطلاق وشيكا الآن، أو ربما تم بالفعل، أو ربما يؤجله عز لأسباب سياسية أو قانونية، ولكن الأكيد أن جدران ليمان طرة، لا تخلو من هذه القصص النادرة، ومكاتب المحامين لا تتوقف عن رواية هذه الحواديت التى تشبه قصص ألف ليلة عن ملوك فقدوا عروشهم، وعن سيدات عشن كأميرات على عروش الهوى، ثم اكتشفوا أنهن بين يدى ساحر يزرع الوهم، وليس قلبا يعرف العاطفة.