كيف أحسن الظن بالله تعالى وأتجنب وساوس الشيطان؟

نص الاستشارة:
يراودني الشيطان دائما ويقول لي إنك تتصدق كثيراً وتبر بوالديك، لكن هل سيختم الله لك بخير؟! سيختم لك بسوء. انظر إلى من يفعلون السيئات ربما يختم لهم الله بخير، أتذكر فلانا، وكم عاش في الفسق، وفي آخر حياته ختم الله له بخير.. هؤلاء الذين يفعلون السيئات هم يمتعون أنفسهم، وأنت تقمع نفسك، وأخيراً سيختم لهم الله بخير، وفلان خير دليل على ذلك، وقد حدث هذا لشخص أعرفه.. أرشدوني حتى أثبت على فعل الخير.
الرد:
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فاعلم أنه لا يجوز أن يسيء المسلم ظنه بربه، فطالما العبد يسعى بالعمل الصالح فالواجب أن يحسن الظن بالله: وأن الله يقبل منه ويغفر له ويكرمه سبحانه بحسن خاتمته.. وقد جاء في الحديث الصحيح: “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله”.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: “ولا ريب أن حسن الظن بالله إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه، أنه يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، وهذا موجود في الشاهد، فإن العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبداً، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له”. كما قال الحسن البصري: (إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وأن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”.
فتأمل معي بارك الله فيك بأي شيء بدأ الحديث؟ بدأ بدعوة العبد إلى أن يحسن الظن بربه في جميع الأحوال، فبَيَّن جل وعلا أنه عند ظن عبده به، أي أنه يعامله على حسب ظنه به، ويفعل به ما يتوقعه منه من خير أو شر، فكلما كان العبد حسن الظن بالله، حسن الرجاء فيما عنده، فإن الله لا يخيب أمله ولا يضيع عمله، فإذا دعا الله عز وجل ظن أن الله سيجيب دعاءه، وإذا أذنب وتاب واستغفر ظن أن الله سيقبل توبته ويقيل عثرته ويغفر ذنبه، وإذا عمل صالحاً ظن أن الله سيقبل عمله ويجازيه عليه أحسن الجزاء، كل ذلك من إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- “ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة” رواه الترمذي، وهكذا يظل العبد متعلقا بجميل الظن بربه، وحسن الرجاء فيما عنده، كما قال الأول: وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع، وبذلك يكون حسن الظن بالله من مقتضيات التوحيد؛ لأنه مبنيٌ على العلم برحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وحسن التوكل عليه، فإذا تم العلم بذلك أثمر حسن الظن.
وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم وسوء طويتهم، فقال عن المنافقين حين تركوا النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في غزوة أحد:{وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية}،وقال عن المنافقين والمشركين: {الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء}. والمراد من الحديث تغليب جانب الرجاء، فإن كل عاقل يسمع بهذه الدعوة من الله تبارك وتعالى، لا يمكن أن يختار لنفسه ظن إيقاع الوعيد، بل سيختار الظن الحسن وهو ظن الثواب والعفو والمغفرة وإيقاع الوعد وهذا هو الرجاء، وخصوصاً في حال الضعف والافتقار كحال المحتضر، فإنه أولى من غيره بإحسان الظن بالله جل وعلا.. فينبغي عليك بارك الله فيك أن تجتهد في القيام بما عليك موقنًا بأن الله يقبله ويغفر لك ; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد، فإن ظننت أن الله لا يقبله، أو أن التوبة لا تنفعك، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من كبائر الذنوب، ومن مات على ذلك وُكِل إلى ظنه، ولذا جاء في بعض طرق الحديث السابق حديث الباب “فليظن بي ما شاء” رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح. وفقك الله لطاعته. والله تعالى أعلم.
المصدر:رسالة المراة المسلمة

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More